في هذه السطور القصيرة محاولة قصصية تترجم بشكل بسيط يوميات مهاجر من بلده والمعاناة الفكرية التي تجول بخاطره أرجوا أن تعجبكم
استفاق أحمد من نومه بوقت متأخر من صباح اليوم متعباً يفرك عينيه التي بدا عليها التعب من السهر في الليلة الماضية واتجه بخطى متثاقلة الى نافذة غرفته وأزال الستار عنها وبدأ يراقب سقوط الثلج الذي لم يتوقف منذ ليلة البارحة.
كل شيء قد غطاهُ الثلج فبدا المنظر كلوحة ذات لون واحد لا تفاصيل فيها وبدأ يحدث نفسه : كأن المنظر يشبه حياتي الان لا تفاصيل فيها اليوم مثل البارحة وغداً مثل اليوم ... أنها لحياة رتيبة لمن قضى ردحاً طويلا من حياته لا يجد فيه وقتً لنفسه لشدة انشغالاته .
أتجه الى المطبخ ليعد لنفسه الفطور وحين انتهى منه جلس ليتناوله, تذكر الصباحات التي كان يقضيها وسط عائلته في بغداد ودعابات الأطفال وصراخاتهم ومهم منهمكين بالتحظير للذهاب للمدرسة وزوجته التي تعمل بخطوات سريعة لكي تهيأ الفطور للأولاد وبدأ يترنم بأغنيات الصباح لفيروز التي كان يسمعها من المذياع فسببت له غصة منعته من أتمام فطوره فقام وأتجه الى التلفاز لكي يسمع نشرة الاخبار : السياسي فلان يحمل مسؤولية تدهور الأوضاع الأمنية للسياسي فلان وفضيحة الفساد تلك مسؤول عنها فلان , تفجير راح ضحيته كذا شخص من العراقيين , الأجهزة الأمنية تسيطر على الوضع الأمني بالكامل , وووو .
ما لهذا البلد لا يستطيع أن يعيش كما يعيش الناس ولماذا اهله يتوجب عليهم دفع ثمن جرائم لم يرتكبها , لهفي عليكم يا أهلي ماذا فعل بكم الغرباء .وتذكر ابيات من أغنية لكاظم الساهر (نُفيت وأستوطن الأغراب في بلدي.. ودمروا كـل أشيائـي الحبيبـاتٍ )
في أحد الأيام وهو يتبادل اطراف الحديث مع أحد الأشخاص الذين تعرف عليهم في هذا البلد الذي التجئ اليه مؤخراً فسأل صديق أحمد الجديد على استحياء: ألم يكن الاجدر بكم انتم الشرفاء من هذا البلد أن تبقوا في بلدكم ولا تدعوه لهؤلاء المجرمين السراق ؟ فسكت حينها أحمد ولم يجبه , ليس لأنه لم يمتلك الإجابة ولكنه اجابته لهذا السؤال سوف تفتح له الجروح القديمة ومن الممكن أن لا يفهمها هذا الصديق الجديد .
ماذا يقول له ؟ أيقول له أن من كان يتعاون معهم لإصلاح البلاد كانوا هم أيضا مفسدين ولكن بشكل أخر , هل يقول له انه أضطر لمغادرة بلده بسبب تهديد من يدعون الإصلاح والدفاع عن الوطن . هل يقول له ان الفساد لم ينجه منه إلا القليل وهؤلاء القليل ليس لهم حولاً ولا قوة .
ثم أستدرك نفسه وبدأ يقول لنفسه : هل من المعقول أن الجميع كانوا مفسدين؟ لربما كنت أنت المفسد ولكن لا تشعر أو ربما أنت من أخطأت التقييم وتقدير الأمور فرفضك الجميع وانتهى بك المطاف هنا وحيداً لا أحد لك !
من يدري من يدري ... أنه زمن التيه زمن من لا تسطيع أن تعرف صدق الصادقين ولا تعرف كذب الكاذبين. ولكن لماذا هذا لا يحدث الا في بلداننا و بلدان الشرق الأوسط لماذا الدول التي تدعي نفسها متقدمة ودول الحرية لا تطبق معاير الحرية والنزاهة الا على أبنائها , ربما لان الحرية لا توهب من قبل الاخرين وانما تنتزعها الشعوب انتزاعاً من ايدي الطواغيت , فإذا كان ذلك صحيحاً لماذا لا يكون لشعوبنا نفس تلك الاماني والإرادة لانتزاع حريتها من أيدي الطواغيت , لماذا أخوة الخير لا يستطيعون مواصلة الطريق للوصول الى حريتهم الا وتبرز بينهم الخيانات والتنافس على شيء لم ينالوه بعد .
الأسئلة كثيرة ومحيرة وبدأ يحاول أن يريح تفكيره منها ويقول لنفسه دعك من هذا يا أحمد ما أنت الان الا رجل لا يريد سوى العيش في بلد يحترمني كوني أنسان ولا يسأل عن انتماءاتي ولا يحجر على تفكيري لا اريد سوى أن انجو بنفسي وبأهلي فأن كنت فشلت في المساهمة في إنقاذ بلدي فلعلي أنجح بإنقاذ أولادي وأوفر له حياة كريمة في بلد أخر .
لملم نفسه وقرر الخروج الى المدينة التي تبعد عن بيته دقائق بالسيارة لكي يلتقي برفاقه العراقيين التي تركو بلادهم مثله طلباً للأمان عسى أن يريح رأسه من تلك الهواجس التي بدت له انها سوف تفجر رأسه .
جلس مع أصدقاء المهجر في مقهى صغير والذي أصبح مثابة لهم وكل أهل المدينة يعرفون بأن العراقيين يلتقون بهذا المقهى الصغير , كانت احاديثهم هي نفسها كل يوم . متى موعد مقابلتك؟ فلان تحول على التوطين. فلان رفض من التوطين وووو فتجد منهم من تغمره السعادة بتقدم ملفه في منظمة الأمم المتحدة لغرض التوطين وبين من هو مهموم لتأخر ملفه ولكن القاسم المشترك لهم هو البحث عن السبل التي يستطيعون من خلالها أن يذهبون الى بلد يطمئنون به على انفسهم وعوائلهم ويعطون ظهورهم لوطنهم الذي رفضهم واستحالت حياتهم فيه. بدا أحمد في أغلب الأحيان مستمعاً فقط ليس لديه ما يقوله لهم سوى كلمات المجاملة . ومن حين الى اخر يصمت مستغرقاً بالتفكير مع نفسه ويتذكر كلمات أهل البلد الذي يعيشون فيه الان . لماذا تخرجون من العراق ونحن نذهب اليه للعمل فيه ؟ إن الخير هناك كثير . ماذا أقول لهم هل أقول لهم ان بلدنا أصبح جنة للغرباء وجحيهم لأهله ؟ لا يستطيعون فهم كلامي .
بعد قضاء وقت طويل في هذا المقهى يذهب لبيته في نهايةٍ ليوم يحسب من الاصفار في كل المقاييس فهو لم يستفد منه شيئاً لحياته أو قدم شيئاً لحياة غيره , ان الزمن بالنسبة لأحمد كانه متوقف عند اللحظة التي ترك فيها بلده .
السنونو