الشيخوخة ليست مرضاً، بل هي مرحلة حياتية طبيعية تشهد جملة من التغيرات الجسدية والفيزيولوجية والعقلية والنفسية والاجتماعية، ومن أبرز التغيرات التي نراها بأم العين في رحاب الشيخوخة: قصر القامة، والشعر الأبيض، والصلع، والتجاعيد، وتراجع الكتلة العضلية، والنحول، وانحناء الظهر، وانثناء الركبتين، وصعوبة الحركة.
وفي الشيخوخة «تزدهر» الأمراض، مثل الخرف، والكآبة، وسلس البول، وداء الهشاشة العظمية، والاضطرابات السمعية والبصرية، والأمراض القلبية الوعائية، والسرطانات، والمياه البيضاء والزرقاء في العين، وتكرار مشاكل السقوط، وغيرها.
وتلازم الشيخوخة مشاكل اجتماعية ونفسية عدة، مثل فقدان الاعتبار بالذات، وفقدان الأمن، وضعف القدرة على الحفظ والتذكر، والعناد، وسرعة الغضب، والعزلة، والانهيار العصبي، وتراجع القدرة على مقاومة الضغوط الاجتماعية والمعيشية.
إن الشيخوخة هي مرحلة حرجة تشهد انهياراً على كل الصعد، من أعلى الجسم إلى أخمص القدمين، وفي هذا يقول أبو نواس:
«دب فيّ السقام سفلاً وعلواً/ وأراني أموت عضواً فعضوا».
أما أبو العتاهية فيقول متحسراً على الشباب:
«عريت من الشباب وكنت غضاً/ كما يعرى من الورق القضيب
فيا ليت الشباب يعود يوماً/ لأخبره بما فعل المشيب».
وعندما تأتي الشيخوخة في أوانها فأهلاً بها، لكن المشكلة هي عندما تزحف على صاحبها قبل أوانها لأسباب قد تكون معروفة أو غير معروفة. وعلى هذا الصعيد، فإن هناك عوامل لا تخطر في البال تساهم في استدعاء الشيخوخة في شكل أبكر من المعتاد، ومن اهم هذه العوامل:
> الإكثار من أكل الحلويات، ففي دراسة لعلماء من جامعة ليدن في هولندا تبين أن محبي الحلويات هم أكثر تعرضاً لخطر الشيخوخة قبل الأوان، اضافة إلى إمكان الإصابة بالوزن الزائد. الدراسة نشرت في مجلة «نيو ساينتست» العلمية الدولية الصادرة بالانكليزية، وشارك فيها 569 متطوعاً من الأصحاء تراوحت أعمارهم بين 50 إلى 70 عاماً، وتم توزيعهم إلى ثلاث مجموعات، بناء على مستوى الغلوكوز في الدم بعد تناولهم الطعام. كما شملت الدراسة 33 شخصاً مصاباً بمرض السكري. طلب القائمون على الدراسة من 60 متطوعاً مستقلاً مشاهدة صور للمشاركين في التجربة من أجل تحديد عمرهم، فاتضح أنه كلما كانت نسبة السكر في الدم أكبر، بدا الشخص أكبر سناً مما هو في الواقع من حيث مظهره الخارجي.
> البطالة الطويلة الأمد، وجدت دراسة حديثة أن الرجال الذين يبقون عاطلين من العمل لفترة طويلة تزيد عن السنتين، قد يشيخون في شكل أسرع. وذكر الباحثون من جامعة «امبريال كوليدج» في لندن أن التيلوميرات (وهي مكونات حيوية موجودة على أطراف الكروموسومات) تقصر عند هؤلاء الرجال. ومن المعروف أن قصر التيلوميرات يشير إلى الشيخوخة. وقالت الباحثة المسؤولة عن الدراسة إن «التيلوميرات الأقصر ترتبط بزيادة خطر الأمراض المرتبطة بالشيخوخة، مثل أمراض القلب، والنوع الثاني من السكري». وأضافت معلّقة على النتائج: «يبدو أن البطالة الطويلة الأمد هي أحدث مثال على أن تجربة الحياة المجهدة قد تؤدي إلى تغيرات دائمة في الحامض النووي للخلية».
> التدخين. أكد العلماء في دراسة جديدة لباحثين من جامعة أيوا الأميركية ان التدخين يساهم في التعجيل بالشيخوخة والوفاة ويؤدي الى مظاهر تشبه تلك التي تشاهد في متلازمة وورنر، وهو مرض جيني نادر يعجل في مظاهر الشيخوخة بشكل متسارع للغاية، ويرجع سببه إلى حدوث تحور في جينة تشرف على صنع بروتين يحمي المادة الوراثية في كل خلية من خلايا الجسم ويرممها.
والمعروف أن دراسات كثيرة أظهرت أن التدخين يؤثر بشكل مباشر في القلب والرئتين ويسبب اعتلال الصحة العامة، كما أنه يعمل على تحفيز الأنزيم الذي يساهم في تآكل البشرة وتحللها، وبالتالي فإن التدخين يجعل الشخص يبدو أكبر سناً من عمره الحقيقي لأنه يسرّع من شيخوخة الجلد، خصوصاً أنه يعرقل من وظيفة الفيتامين سي الذي يعمل على ترطيب البشرة والمحافظة على نضارتها.
> الضغوط النفسية المستمرة. سبق لدراسات أن أظهرت بوضوح وجود صلة بين الضغوط النفسية المزمنة وأمراض معينة، من بينها أمراض القلب وضعف أداء جهاز المناعة في الجسم. لكن الجديد على هذا الصعيد أن دراسة أجراها فريق من العلماء في جامعة سان فرانسيسكو، كشفت للمرة الأولى أن الشيخوخة ترتبط بشكل وثيق بالضغوط النفسية المستمرة، وأنه حتى الأشخاص الذين يظنون أنهم عرضة لهذه الضغوط يتقدمون في العمر على نحو أسرع من الآخرين. أما عن التفسير فيقول المشرفون على الدراسة ان الضغوط النفسية تؤثر في الجزيئات التي يعتقد أنها تلعب دوراً رئيساً في إصابة خلايا الجسم بالشيخوخة، وربما بالمرض في مرحلة متقدمة.
> قلة الحركة. في دراسة شملت 2041 من التوائم، أشار الباحثون من جامعة كينغز كوليج البريطانية إلى أن قلة النشاط البدني قد تؤدي إلى الشيخوخة المبكرة. وتوصل الباحثون إلى هذه النتيجة بعد جمع معطيات تتعلق بالنشاط البدني للمشاركين وبعد أخذ عينات من دمهم لقياس طول التيلوميرات في سلاسل الحامض النووي في الكريات البيض، فتبين للباحثين أن الأشخاص الذين يمارسون نشاطاً بدنياً كالجري وكرة المضرب والألعاب البهلوانية لمدة 200 دقيقة أسبوعياً كانت التيلوميرات لديهم أطول بحوالى 200 جزء بالمقارنة مع أقرانهم الذين لا يقومون بأي نشاط بدني، ومن باب التذكير فإن التيلوميرات تكون قصيرة لدى المتقدمين في السن وطويلة لدى الشباب.
هل يمكن إبطاء عجلة الشيخوخة؟ يُجمع العلماء المختصون في الشيخوخة على أنه يمكن المحافظة على الشباب لأطول فترة ممكنة بتطبيق النصائح الآتية:
1- ممارسة الرياضة وتمرينات القوة والشد لمدة نصف ساعة يومياً على الأقل من أجل المحافظة على لياقة الجسم.
2- تجنب السهر والحصول على قسط وافر من النوم الليلي المريح.
3- التغذية المتوازنة التي تحتوي على كميات كبيرة من الأطعمة المضادة للأكسدة، وأهمها الخضراوات والفواكه.
4- منع الإصابة بالجفاف بشرب كميات كبيرة من الماء والسوائل والمرطبات والعصائر.
5- الحفاظ على اللياقة الذهنية.
6- ممارسة تقنيات الاسترخاء والتأمل التي تخفف من التوترات والضغوط العصبية وتريح التفكير وتولّد الثقة في النفس وتعزز التفاؤل.
7- بناء علاقات اجتماعية جيدة وصداقات قريبة، والنظر بإيجابية إلى الحياة، والابتعاد عن التـــشاؤم والســلوكيات السلبية.
8- هجر التدخين نهائياً.
مسك الختام، سواء جاءت الشيخوخة في أوانها أو قبله، فإن من الضروري العمل على إشراك المسن في الحياة الاجتماعية ليظل نشيطاً باستمرار، من طريق إفساح المجال أمامه ليكون طرفاً فاعلاً في مختلف النشاطات التي تناسب وضعه الصحي، وأن يكون على تواصل دائم مع الأصدقاء وأفراد العائلة مباشرة أو في شكل غير مباشر، من خلال تأمين مختلف وسائل الاتصال له، مثل الهاتف والتلفزيون وحتى الكومبيوتر ووسائل التواصل الاجتماعي، من أجل منع التهميش الاجتماعي. والأهم من ذلك كله عدم الاستخفاف بالقدرات العقلية، ولا حتى الجسدية للمسن لأن المستخف قد يسمع جواباً لا يعجبه، كحال ذاك الصبي الذي رأى شيخاً مقوس الظهر، فسأله: بكم اشتريت هذا القوس يا عمّاه؟ فردّ عليه الشيخ: إذا أعطاك الله عمراً فإنه سيأتيك مجاناً.
لولي ني هاو